لحظات صعبة يمرّ منها أي مهاجر: لحظة فراق ووداع الأهل والأحباب والوطن


ما إن يقرب موعد مغادرة التراب


 الوطني والهجرة الأمريكية حتى يصبح الفائز في القرعة الأمريكية تَنْـتابه أحوال نفسية جديدة لم يشعر بها من قبل، فتُحدِث ل وساوسَ ومشاعرَ قويةً بسبب مفارقة الوالدين والإخوان والأخوات والأهل والأحباب والأقارب والأصدقاء والخِلَّان، وكذا مفارقة البيت الذي ترعرع وسكن فيه، والأماكن المليئة بالذكريات الجميلة التي تجول فيها وزارها.
فعلا، إنه إحساس لا يُدرك حقيقته إلا من جرّبه وعاش في غربة عن أهله ووطنه.
شعور نفسي تَتَفَطَّر له القلوب وتحزن، وتدمع العين وتسيل، وتخرص عندها الألسن، وتتوقف العبارات وتطيح الإشارات، ولا يبقى إلا اللجوء إلى الحصن المنيع والركن الشديد، والاعتصام بالواحد القهار فاطر السماوات والأرض، الرزاق الحنان المنان، يا الله، يا الله.
الغُربة والوحدة شديدة على النفس.
ولكن ما العمل؟
• كيف أواجه هذا الإحساس الفطري الذي أضعف أمامه؟
                    
إحساس طبيعي:
إن هذا الإحساس المؤقت الذي يشعر به كل مهاجر هو أمر طبيعي سُرعان ما يزول وينقلب إلى طمأنينة وسكينة، وذلك بعد اللجوء والاعتصام بالله تعالى وتقواه، وإخلاص الهجرة لله تعالى تقربا إليه سبحانه، واليقين بأن الرزق بيد الله تعالى مع أخذ الأسباب المشروعة والتغلب على الوساوس القهرية وعدم الركون إليها، بل يجب مدافعتها واقتحام العقبات والصعاب، ورفع الهمة والعزيمة والإرادة، ووضع الخطط والبرامج وتسطيرها بكل واقعية مع مراعاة القدرات العقلية والجسدية، واختيار الرفقة الصالحة المعينة على خير الدنيا والآخرة.
فالرفيق قبل الطريق.
ومن عرف ما قصد هان عليه ما وجد.
اقتحام العقبة:
في هذا السياق أستحضر كلاما لأحد العلماء الأفذاذ المعاصرين والمفكرين المُنَظِّرين لحضارة الإسلام والمسلمين، وهو الأستاذ العظيم مالك بن نبي رحمه الله، صاحب التآليف عظيمة النفع، حيث يذكر في كتابه المُعَنون بمجالس دمشق (مشكلات الحضارة):
"وأفراد وجماعات المسلمين بحاجة شديدة إلى تفقُّه معاني الاقتحام والعمل، والتشمير عن ساعد الجد، والمضيِّ نحو الهدف المنشود، بعزمة وثَّابة وإرادة توَّاقة.
وأنَّ المسلمين بحاجة ماسَّة لعقليَّة الاقتحام، والبعد أيَّما بعد عن عقليَّة الهروب والانكماش والانزواء. "
فلن تدرك الراحة إلاَّ بترك الراحة،
والنعيم لا يدرك بالنعيم،
ومن يطلب الحسناء لم يغله المهر،
                    
• لا غُربة مع الله:
قال تعالى:"أينما تكونوا فثَمَّ وجهُ الله"، سورة البقرة.
كن مع الله ترى الله معك.
أينما حلّ أو ارتحل العبد في مشارق الأرض ومغاربها فإن الله معه ما دام العبد متمسكا بحبل عصمته.
والمسلم مطلوب منه تبيليغ كلمة الله والدعوة إليه بحاله ومقاله.
قال الشاعر:
ليْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّامِ واليَمَنِ = إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَفَنِ
إِنَّ الغَريِبَ لَهُ حَقٌّ لِغُرْبَتِهِ = على الْمُقيمينَ في الأَوطــانِ والسَّكَنِ
لا تَنْهَرنَّ غريباً حَالَ غُربتهِ = الدَّهْرُ يَنْهْرُه بالذُّلِ والمِحَنِ
سَفَري بَعيدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَني = وَقُوَّتي ضَعُفَتْ والمـوتُ يَطلُبُنـي
وَلي بَقايا ذُنوبٍ لَسْتُ أَعْلَمُها = الله يَعْلَمُهــا في السِّرِ والعَلَنِ
مَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني = وقَدْ تَمـادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي
تَمُرُّ ساعاتُ أَيّـَامي بلا نَدَم = ولا بُكاءٍ وَلاخَـوْفٍ ولا حـَزَنِ
اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل:
والإنسان المسلم لا يتوانى ولا يكل ولا يعجز، بل هو يمتثل قوله تعالى:(ادخلوا عليهم الباب ) ويوقن بعدها بالغلبة كما قال تعالى:(فإذا دخلتموه فإنكم غالبون) ، ولهذا فإنَّه يقتحم ويبادر ولا ينتظر الأوامر إلاَّ من لدن الله عزَّ وجل، ويرى أنَّ هذه العوائق والعقبات التي تعترضه في طريقه أمر لا بدَّ منه، ولا مفر عنه.
قال تعالى: (فلا اقتحم العقبة)،جاء في تفسير مفاتيح الغيب للفخر الرازي قوله: "الاقتحام الدخول في الأمر الشديد، يقال: قحم يقحم قحوماً، واقتحم اقتحاماً وتقحم تقحماً إذا ركب القحم، وهي المهالك والأمور العظام، والعقبة طريق في الجبل، وَعْرٌ.
وأعظم عقبة يجب أن تقتحم هي عقبة الهوى والنفس والشيطان والمعاصي والذنوب.
فالعقبة هي الحياة الدنيا وزخرفها ، والله تعالى أمر المسلمين بأن يقتحموا هذه العقبة لينالوا رضا الله تعالى وجنَّته. ومن اقتحام العقبة المحمود أن يعرف المسلمون سبب ضعفهم ، ومن ثمَّ يبدؤون في رسم طريق النهضة ، والعمل والكدح من أجل البناء ...
وصدق عمر بن الخطَّاب حين قال:(اللهم إني أعوذ بك من جَلَدِ الفاجر وعجز الثقة).
ولن تبلغ المجد *** حتى تلعق الصبر
فكل مؤمن يوطن نفسه منذ البداية على أن الطريق التي يسير فيها المؤمنون ليست مفروشة بالورود، بل هي عقبة كأداء يجب اقتحامها فرادى وجماعة، والعقبات كثيرة منها ما هو متعلق بأنفس البشر ومنها ما هو متعلق بآفاق الكون.
وخلق الله تعالى الإنسان في كَبَد وتَعَب ونَصَب، خلقه ليكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة.
الهجرة سبب في جمع الرزق:
إن المهاجر يطمح لتحسين ظروف معيشته ماديا ومعنويا، ويرغب دائما في مساعدة والديه وإخوانه وأخواته وأهله، والهجرة إلى أمريكا سبب رئيس بعد عون الله وتوفيقه في تحقيق كلّ ذلك.
الدعوة إلى الله تعالى:
فالهجرة تكون طلبا للعلم والسعي في طلب الرزق والدعوة إلى الله تعالى بالحال والمقال.
• الرحلة في طلب العلم:
طلب العلم نوع من أنواع العبادة، يتقرب به العبد إلى ربه، قال صلى الله عليه وسلم : ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ).
وكان سادتنا الأولون  يسافرون والسباع والوحوش في الطرق، وإن نجَوْا منها لم ينجُوا من قُطَّاعها (أي من قطاع الطرق)، وإن نجَوْا في الذهاب لم ينجُوا في الإياب.
والإنسان لا يحيا و لا يرقى إلا بالعلم، وعليه أن يلتمس العلم بالله والعلم بأمر الله والعلم الذي ينفعه في الدنيا والآخرة.
بقلم: Hicham Kalloubi

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Pages